كلمة العدد - بوزون هيجز!
رئيس التحرير
د. سليمان إبراهيم العسكري
في عالم الصحافة، ومع الإيقاع المتسارع للأحداث بشكل عام، لم تعد الصحف قادرة على مواكبة كل الأحداث بالسرعة نفسها، وخصوصا مع الصحف الإلكترونية ومواقع الإنترنت التي تعد فائقة السرعة في بث الخبر مقارنة بالصحافة المطبوعة. أما المطبوعات الشهرية مثل «العربي العلمي» بالإضافة لإيقاعها الشهري فنحن أيضا ملتزمون بمواعيد للطباعة مبكرة جدا حتى يمكن إصدار كافة إصدارات «العربي» في المواقيت المحددة لها شهريا.
غلاف عدد سبتمبر من العربي العلمي
لذلك فحين أعلن فريق العلماء في مختبر «سيرن» عن الكشف العلمي الفيزيائي الجديد المعروف باسم «بوزون هيجز» في شهر يوليو الماضي كنا انتهينا من طباعة عدد أغسطس، وهو ما اقتضى تأجيل الموضوع لهذا الشهر، حيث ننشر تقريرا بقلم الدكتور فتح الله الشيخ الخبير في هذا المجال يوضح فيه كافة تفاصيل الكشف العلمي الذي يوصف بأنه أهم اكتشاف على الإطلاق في فيزياء الجسيمات الحديثة.
ويشرح كاتب الموضوع أسباب تلك الأهمية من حيث إنها الجسيمة التي تمنح الكتلة لكل الجسيمات الأخرى، أي أنه جسيم أولي يُظن أنه المسئول عن اكتساب المادة لكتلتها. وقد تم رصد إشارات لجسيم هيجز عملياً في عام 2011 في ما يعرف بـ «مصادم الهادرونات الكبير»، وأعلن مختبر سرن في 4 يوليو 2012 يقينه من وجود بوزون هيجز فعلياً. ويُعتقد طبقا لهذه النظرية أن البوزون - وهو جسيم أولي افتراضي ثقيل ، تبلغ كتلته نحو 200 مرة كتلة البروتون - هو المسئول عن طريق ما ينتجه من مجال هيجز عن حصول الجسيمات الأولية كتلتها ، مثل الإلكترون والبروتون والنيوترون وغيرها، خصوصا أن هذه الجسيمة كانت مثارا لبحث استمر على مدى عقدين كاملين. فقد أشارت تقارير الأخبار العلمية إلى شخص العالم الفيزيائي الاسكتلندي بيتر هيجز في العام 1964 الذي كان قد تنبأ بوجوده في إطار النموذج الفيزيائي القياسي أو النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، وها هو تنبؤه المبني على الكثير من البحث يتحقق اليوم ويفتح المجال لمزيد من فهم هذا الكون الذي نعيش فيه. ولهذا أطلق العلماء اسم هيجز على البوزون المكتشف.
وسوف نخصص المزيد من التقارير عن الموضوع وتاريخ البحث عن البوزون وعن تاريخ العالم بيتر هيجز أيضا في العدد المقبل أيضا، إيمانا منا بأن دور الصحافة اليوم، والعلمية على نحو خاص، ليس ملاحقة الأخبار، بل تعميق ما وراء الخبر، وتحليل وفهم الأبعاد المحيطة بالأحداث العلمية والإحاطة بجوانبه وبتاريخ البحث الذي أدى إلى هذا المنجز أو غيره.
لكن ما يلفت الانتباه حقا في معرض الحديث عن هذا الكشف العلمي الهائل، هو الدأب الذي يتمتع به العلم والعلماء والبحث المستمر رغم الإخفاقات التي قد يواجهونها حتى يصلون إلى الحقيقة العلمية، والكيفية التي يستكمل بها كل فريق علمي جهود من سبقوه، والعمل عليها وتطويرها، وليس نفيها أو إقصاؤها، فليس هذا من أخلاق العلماء ولا من طبيعة المنهج العلمي. وهذه واحدة من الفرائض الغائبة في حياتنا الثقافية والاجتماعية والتي نحتاج إلى استلهامها بالفعل في مسيرة التنمية العربية بشكل عام. نرجو بالفعل أن نجد في هذا الكشف الجديد أفقا جديدا لنا لتطوير منهجنا العلمي والتنموي بحيث يتعلم الجميع أن المشروع التنموي والعلمي لا يرتبط بشخص أو بنظام، بل هي منظومة تنمية بشرية يجب على الجميع أن يتوالى في تطويرها جيلا بعد آخر.